وجــــــــــــــــــع القـــــــــــوافـــــــــــي

باسم الله الرحمن الرحيم


                                وَجـــــــــــــــعُ القَـــــوافـــــــــي
تقديم

الحمدُ لله.والصلاةُ والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين وخلْقِ الله أجمعين,محمّد بن عبد الله ,وعلى آل بيته الكرام وصحْبه الميامين العظام.
أما بعد فإنّ العلمَ والأدبَ كنْزانِ لا يفْنيان ومِصْباحانِ لا ينْطفِئان وَكِسْوتان لا تبْليان..قال الحكماءُ:الجهلُ هو الموتُ الأكبرُ,والعلمُ هو الحياةُ الشّريفة,فَمَنْ كَثُرَ أدَبُهُ شرُفَ وإنْ كان وَضيــعاً,وارْتفع صيتهُ وإنْ كان خاملاً,وكَثُرتْ حَوائِجُ النّاس إليه وإنْ كان فقيراً.وقدْ سُئِلَ أبو عثمانَ الجاحظ عن الكلامِ فقال:هو عيَّارُ كلِّ صناعةٍ,وَزِمامُ كلّ عبارةٍ,وقُسْطاسٌ يُعْرَفُ به الفضلُ والرّجْحان,وميزانٌ يُعْلَمُ به الزّيادةِ والنّقُصانُ.وهو كَـيْـرٌ يُمَـيَّــزُ به الخاصُّ والعام,والخالص والمشوبُ وَيُعرفُ به الإبريزُ والسَّتوقُ,والصَّفْوُ والكَدرُ.والكلامُ سُــلّــمٌَ يُرْتَقى به إلى مَعْرفةِ الصّغير والكبير,ويُوصَلُ به إلى الحَقير والخَطير.
وقدِ اكتشفَ ذوو الألبابِ في علوم الآداب حقيقـةً مَفادُها أنّ الشّعرله أدوارًا طلائعيةً في بناء الحضارة العربية الإسلامية منذُ نشأتها الأولى,وعلى امتداد عصورها الذهبية الطّويلة.ذلك أنّ الشّعر لم يكنْ مُجرّدََ تعبير عنْ عواطفَ هائمةٍ أو مشاعرَ عابرةٍ,بلْ كان خِيارًا لأمّةَ تَبنّتهَُ واعْتمدتْـهُ كوسيلةٍ فنّية للتّعبير عن أذْواقِها الجماليةِ إزاءَ الأشياءِ والحياةِ بِرمَّتها.وإذا كان اليونانيون قد عَمدوا ,في التعبير عن كينونتهم الجمالية,من خلال الفنّ المَسرحي,فإنّ أمماً أُخْرى عبّرتْ بأساليب مُختلفةٍ توزّعتْ بين النّحْتِ والعمارةِ والحركةِ..والأمّة العربية الإسلاميةُ قد وجدتْ ضالّتها في"الكلمة المُوحيةِ"التي أنْجبتْ ضَرْباً راقياً في التعبير,وبالتّحديد,تلك الكلمة الرّابضة تحْت ظلالِ الإيحاءِ,والمُنْسجمَةِ مع الجَرَسِ الموسيقي البديع.
وباحتلا له هذا الموقعَ الجيو-ثقافي,فرضَ الشّعرذاتَهُ كديوانٍ للعربِ بعْد أنِ استطاعَ اسْتيعابَ الشعور والجمالِ والواقعِ والصِّراعِ والأملِ,كما وُظِّفَ في تداوُل العلوم والمعارفِ.لذلك نجدُ أنفسنا اليوم في أمسّ الحاجة لِبَوْصلةِ هذا الفنّ البديع المُؤسّسِِ لهويتنا الجمالية بُغية الإقلاع بمَوْروثنا الثّقافي الأصيل.
وأكيدٌ أنّ أهل زماننا أصْبحوا عن صِراطِ الأدب مُبْتعدين,ومنْ لَقبِهِ مُتشائمين,ولِعُشَّاقه كارهين.فأمَّا الطّالبَُ فيهم فَرافضٌ للتّعليم,والمتأدّب في رَيعانِ الشّباب,غافلٌ أو مُتغافلٌ أنْ يصْعدَ سُلّمََ المَحْظوظين لِيُخرِجَ نفْسهُ من زريبةِ المَحْرومين.وفي هذا السّيّاق أفْلستْ سوق الشّعر والبرّ,فَرُمِيَتْ سِلَعُ أهْلهِ بالكسادِ.وصارَ نَظْمُ الشّعر خِزْياً على صاحبه,والفضْلُ نقصاً,وأمْوالُ المُتْرفين وَقْفاً على شَهواتِ النّفوس وملذّاتها,بينما أصْبح الجاهُ الذي هو زكاةُ الشّرف يُباعُ بيْعَ الأمْتعةِ البالية.فَنُبِذَتِ الحسناتُ,وانْتُهِكَ قَـدْرُ المعْروفِ,وهلكتِ الخواطرُ ممّا أدّى إلى انْبطاحِ الأنْـفُسِ والضّمائر.وللأسف الشّديد تَفيْقهتِ الغـقولُ وامْتطتِ الضّمائرَُ مَراكبَ العجْربعد أنْ أعْفى الجميعُ أنْفسَهُم منْ كدِّ النّظر,وقلوبَهم وأذْهانَهم من تَعَبِ التّأمّل والتّفكّر.فنالوا المراتبَ العالية من غير سببٍ, وبلغوا القممَ بغيْرِ آلةٍ,وبذلك كانوا وبالاً على شعوبِهم ولعنةً على حضارة أمّة القرآن الكريم.
ووجعُ القوافي ديوانُ شعرأفْرغتُ فيه حمولةَ مُعاناتي وتجاربي .وقدِ اعْتمدْتُ في ذلك أسلوباً سهْلَ المَعْجَم مَتينَ البِنْيةِ غَنياً بالصُّورِ الشعرية الأخّاذة المُسْتوحاةِ من الواقع المرير الذي مازالتْ ترزحُ تحت  نيره الشعوبُ  المُسْتعْبدةُ.ذلك أنّ الشّاعر, من وُجْهة نظري ,هو الذي استطاع أن يكون مِرآة عصْره.والقلمُ كما أراهُ مدادُهُ التّفكيرَُ,وثمارهُ التّغييرَُ.يصبّ فوق القرْطاسِ أبْجديةً سَبكَ مَعْدنَها التّفكّرَُ والخيالُ ويسّر سلاستها تطابقُ المقالِ مع المقام,فأبهجت العقول بكلام صاغَهُ الإبداعُ,وَلَحَمَهُ اللّسان.ومنَ الشّفاهِِ الْتَقطتْـهُ الأسماعُ في أرقى المعاني وأبلغ الصور.فمن أبحر في خضمّ غامضها وراضَ حِسَّهُ برائضِها أطاعَتْهُ أعنّةَُ الكلامِ,وتفتّحتْ عيْناهُ بالتّأمّل والإلهام.
فأبصر بعين اليقين سُبل التّجديد وطرائقَ الإبداع والتّوليد.
أرجو الله التيسير والتّوفيق في الوصول بهذه الكنوز إلى أهاليها وذويها.والأملُ أنْ يُجنّبني ربّي العثْرةَ ويُبعدني عن السقوط في الزّللَِ
ويُسدّد بالعون خُطاي,ويؤيّدني بقبوله ورضاه.إنّه نعم المولى ونعم النّصير.

                                                                              محمد الدبلي الفاطمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع أبي الحــــسن ابــــــــن زنباع الطــــنجاوي في الطبــــيعة

سبينوزا وهوبز

هواتف مهمّة