الندوة الأدبية

الحمدُ لله.والصلاةُ والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين وخلْقِ الله أجمعين,محمّد بن عبد الله ,وعلى آل بيته الكرام وصحْبه الميامين العظام.
أما بعد فإنّ العلمَ والأدبَ كوثران لا يفْنيان وسراجان لا ينْطفِئان وَبدْلتان لا تبْليان..قال الحكماءُ:الجهلُ هو الموتُ الأكبرُ,والعلمُ هو الحياةُ الشّريفة,فَمَنْ كَثُرَ أدَبُهُ شرُفَ وإنْ كان وَضيــعاً,وارْتفع صيتهُ وإنْ كان خاملاً,وكَثُرتْ حَوائِجُ النّاس إليه وإنْ كان فقيراً.وقدْ سُئِلَ أبو عثمانَ الجاحظ عن الكلامِ فقال:هو عيَّارُ كلِّ صناعةٍ,وَزِمامُ كلّ عبارةٍ,وقُسْطاسٌ يُعْرَفُ به الفضلُ والرّجْحان,وميزانٌ يُعْلَمُ به الزّيادةِ والنّقُصانُ.وهو كَـيْـرٌ يُمَـيَّــزُ به الخاصُّ والعام,والخالص والمشوبُ وَيُعرفُ به الإبريزُ والسَّتوقُ,والصَّفْوُ والكَدرُ.والكلامُ سُــلّــمٌَ يُرْتَقى به إلى مَعْرفةِ الصّغير والكبير,ويُوصَلُ به إلى الحَقير والخَطير.
وقدِ اكتشفَ ذوو الألبابِ في علوم الآداب حقيقـةً مَفادُها أنّ الشّعرله أدوارًا طلائعيةً في بناء الحضارة العربية الإسلامية منذُ نشأتها الأولى,وعلى امتداد عصورها الذهبية الطّويلة.ذلك أنّ الشّعر لم يكنْ مُجرّدََ تعبير عنْ عواطفَ هائمةٍ أو مشاعرَ عابرةٍ,بلْ كان خِيارًا لأمّةَ تَبنّتهَُ واعْتمدتْـهُ كوسيلةٍ فنّية للتّعبير عن أذْواقِها الجماليةِ إزاءَ الأشياءِ والحياةِ بِرمَّتها.وإذا كان اليونانيون قد عَمدوا ,في التعبير عن كينونتهم الجمالية,من خلال الفنّ المَسرحي,فإنّ أمماً أُخْرى عبّرتْ بأساليب مُختلفةٍ توزّعتْ بين النّحْتِ والعمارةِ والحركةِ..والأمّة العربية الإسلاميةُ قد وجدتْ ضالّتها في"الكلمة المُوحيةِ"التي أنْجبتْ ضَرْباً راقياً في التعبير,وبالتّحديد,تلك الكلمة الرّابضة تحْت ظلالِ الإيحاءِ,والمُنْسجمَةِ مع الجَرَسِ الموسيقي البديع.

نبذة مختصرة عن حياتي:محمد الببلي الفاطمي أستاذ متقاعد وأب لأربعة أطفال.إلتحقت بسلك التدريس بوزارة التربية بعد الإفراج عنّي من الإعتقال بتاريخ28/03/1981.وقد تمّ اعتقالي وأنا تلميذ بتاريخ14/03/1972في أعقاب المحاولة الإنقلابية التي دارت أحداثها بالصخيرات في صيف1971.وفي سلك التدريس قضيت أزيد من ثلث قرن وتقاعدت بتاريخ20/08/2014.

1-من الطّبيعي أن يبدع الفكر الإنساني سيرا على التّطور الذي نحياه في جميع مناحي الحياة .والغاية من التّجديد في مجالات االحياة هو المواكبة المستمرّة لعالمنا المعاصر .ومعلوم أنّ هذا اللّون من النّظم قد سبقني إليه أهل الأندلس .فقد برعوا في نظم أشعارهم وأبدعوا بما استطاعوا.ويحزنني أن أرى الساحة الأدبية تزداد هبوطا بفعل أساليب التدريس الهابطة اللتي أكتسحت المدارس والمناهج والألسنة في هذا العصر المقيت.وكما نرى جميعا فإنّ لغة الضاد قد تلقّت ضربات موجعة ممّا أفقدها القدرة على إملاء قدراتها وبيان رقيّها.تعفّنت المدارس ولم تعدْ قادرة على تلقين صغارنا لسانا سليما ممّا ضاعف من انتشار اللغو والهرطقة وما شاكل ذلك.

2-يُعتبر الشعر الجاهلي النّظم الذي كُتب في زمن ما قبل الإسلام.لذلك يُعدُ من أقدم الأشعار العربية حيث يجمع هذا اللّون الشعري عددا كبيرا وصورا متنوعة.وأوزانُ الخليل بن أحمد الفراهيدي الخمسة عشر تدلّ على التّنوّع الفريد في القلب والقالب كما أنّّ الأخفش أضاف لها بحرا آخر لتصبح ستّة عشر بحراً. وبهذه الصّورة فإنّ الشعر الجاهلي يدلّ على جمال الذّوق الفنّي ورفعة الإحساس العربي القديم.فهذا الفنّ الأدبي الأصيل قد استغرق زمنا طويلا وهو شعر عريق النّشأة حيث لا يقف عمره عند 200سنة قبل مجيء الإسلام بل إنّهُ موغِلٌ في القدم قدم التّاريخ نفسه .وقد سلك تجارب عديدة حتّى استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه.وعليه إحتّل الشّعر الجاهلي مكانة مرموقة ومستوى رفيعا لدى العرب.يقول ابنُ سلاّم الجمحي في ذلك:كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به.به يأخذون وإليه يرجعون. وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وأرضاه:كان الشعر علم قومٍ لم يكُن لهم علمٌ أصحَّ منه.وأمّا اليوم فقد أصبح سلعة كاسدة وبضاعة مهجورة في الأسواق.

3-وأكيدٌ أنّ أهل زماننا أصْبحوا عن صِراطِ الأدب مُبْتعدين,ومنْ لَقبِهِ مُتشائمين,ولِعُشَّاقه كارهين.فأمَّا الطّالبَُ فيهم فَرافضٌ للتّعليم,والمتأدّب في رَيعانِ الشّباب,غافلٌ أو مُتغافلٌ أنْ يصْعدَ سُلّمََ المَحْظوظين لِيُخرِجَ نفْسهُ من زريبةِ المَحْرومين.وفي هذا السّيّاق أفْلستْ سوق الشّعر والبرّ,فَرُمِيَتْ سِلَعُ أهْلهِ بالكسادِ.وصارَ نَظْمُ الشّعر خِزْياً على صاحبه,والفضْلُ نقصاً,وأمْوالُ المُتْرفين وَقْفاً على شَهواتِ النّفوس وملذّاتها,بينما أصْبح الجاهُ الذي هو زكاةُ الشّرف يُباعُ بيْعَ الأمْتعةِ البالية.فَنُبِذَتِ الحسناتُ,وانْتُهِكَ قَـدْرُ المعْروفِ,وهلكتِ الخواطرُ ممّا أدّى إلى انْبطاحِ الأنْـفُسِ والضّمائر.وللأسف الشّديد تَفيْقهتِ الغـقولُ وامْتطتِ الضّمائرَُ مَراكبَ العجْربعد أنْ أعْفى الجميعُ أنْفسَهُم منْ كدِّ النّظر,وقلوبَهم وأذْهانَهم من تَعَبِ التّأمّل والتّفكّر.فنالوا المراتبَ العالية من غير سببٍ, وبلغوا القممَ بغيْرِ آلةٍ,وبذلك كانوا وبالاً على شعوبِهم ولعنةً على حضارة أمّة القرآن الكريم.

4-يُعرّف الشّعر لغة على أنّه كلُّ كلام موزونٍ ومُقفّى.والشعرُ في الإصطلاح هو القولُ الذي يتألّفُ من أمور تخيّلية ويكون القصد من هذا الكلام إمّا التّرغيبُ وإمّا التّرهيب.وفيما يتعلّق بالشعر المنثور فهو كلّ كلامٍ مسجوع وبليغ.وهو مثل الشعر في التّخييل والتأثير إلاّ أنّه غير موزون.وعناصر الشعر خمسة وهي:1-العاطفة2-الفكرة3-الخيال4-الأسلوب5-النّظم.ومن المعلوم أنّ كنوزنا الأدبية كفيلة بأنْ تدفعنا إلى نبش التربة من جديد.لذلك نسعى وبإصرار إلى إحياء تلك العصور الذهبية التي بحياتها سنحيا من جديد.وليس لدينا سوى المدرسة لشقّ هذا الطّريق كما أنّنا في حاجة رجال ونساء غايتهم الإقلاع بدور المدرسة في تنشئة الأجيال القادمة.وقد قال الإمام ابن الوردي:لا تقُلْ قدْ ذهبت أيّامُهُ***كلّ من سار على الدّرب وصل.

5-لاريب أنّ الغاية من الكتابة هي المُساهمةُ بقدر المستطاع في تطوير الإنسان من حيث التّفكير والسلوك وجعل هذا مرتبطا بذاك.والتّهريجُ الذي نراه مسيطراً على الساحة مردُّه إلى المدارس ومناهجها وأطرها.ذلك أنّ مدارسنا ظلّت تفرّخ المُعاقين فكريا منذ نشأتها .وهو تدبير استعماري مقيت فرض على مجتمعاتنا الضّعيفة ترسانة من الإنحرافات والمُغالطات.وهذا ما حوّل شعوبنا إلى حقول تجارب مثل الجردان.أضف إلى ذلك الإعصار المُدمّر الذي ضرب معظم أُسرِ مجتمعاتنا ممّا خرّب البنية الثقافية والمعرفية للشعوب العربية والإسلامية على السّواء.ومعلومٌ أنّ أيّ إصلاح لا يسبقُه التّطهيرُ لأماكن الداء لن يفلح في الوصول إلى حالة الشفاء.وذلك هو حالنا اليوم.

6-أعتبر مجلّة أكاليل للإبداع الأدبي منبراً أدبيا ورافعة ثقافية ساهمت ومازالت تُساهم في إذكاء شعلة الإقلاع بمجتمعاتنا إلى مراتب تتوافق وموروثنا الحضاري.ذلك أنّ العمل الذي تقوم به أكاليل يشجّع المواهب على الإدلاء بقرائحها ممّا جعلها تحتلّ مكانة متميّزة بين المجلاّت الأدبية.وأكيد أنّ هذا الإشعاع مصدره الطّاقم السّاهر على حيوية هذا المنبر الأدبي المُميز.وعليه أوجّه شكري الجزيل للعاملات والعاملين على استمرارية هذا الإشعاع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع أبي الحــــسن ابــــــــن زنباع الطــــنجاوي في الطبــــيعة

سبينوزا وهوبز

هواتف مهمّة