بـــــواعـــث الإلــــــهـــا م في شــــعر أبــــي تـــــمّــــــا م

بواعث الإلهام في شعر أبي تمّام

قال الصّولي:ولد أبو تمّام في اليونان لأنّ أباه يونانيا واسمه نودس،و كان  نصراني الملّة وعندما أسلم شاعرنا غيّر اسم أبيه حيث سمّاه أوسا وألحق نسبه بقبيلة طيّئ.وأبو تمّام واحد ووحيد عصره في ديباجة لفظه وبضاعة شعره وحسن أسلوبه.وله كتاب "الحماسة"الذي دلّ على غزارة فضله،وإتقان معرفته بحسن اختياره،وله مجموع آخر سمّاه "فحول الشعراء"جمع فيه بين طائفة كبيرة من شعراء الجاهليةوالمخضرمين والإسلاميين،وكان له من المحفوظات ما لا يلحقه فيه غيره ،وقيل:إنّه كان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع.
 تنقّل أبو تمّام  في بلاد الشّام والعراق ومصر ،وفي هذه الأخيرة واصل تعليمه في إحدى جوامعها،وكان مواظبا على حضور حلقات العلم فحفظ من قصائد الشعراء كثيرها،ودرس الحكمة اليونانية رغم ما كان يعانيه من قسوة العيش،حيث كان يحصل على رزقه من سقي الماء في ذلك الجامع.وبعد أن ضاق به العيش والحال في مصر ،ولم يظفر بمال من مدحه،هجر عائدا إلى الشّام ،فمدح موسى الرافعي ولم يلق عنده الجود والكرم.وبقي يجول الأنحاء حتّى استقرّ به المقام في الموصل .وهناك اتّصل بالخلفاء ومدحهم ،ولاسيّما المعتصم الذي لقي عنده إكراما خاصّا.وقد اتّخده هذا الأخير شاعرا له يمدحه،فعاش أبو تمّام في الموصل  حياة رخاء وترف كما لقي عند أمرائها وأعيانها حظوة وترحابا كبيرا.ومن بين القصائد التي مدح بها المعتصم قصيدته التي قال في مطلعها:

   ألسّيف أصـــــــــدق إنباء من الــــكتب****في حـــــدّه الحدّ بين الجدّ واللّــــــعب

   بيض الصّفائح لا سود الصّحائف فـــي****متونهنّ جلاء الــــشكّ والــــــــــــرّيب

   والعلم في شهــــــب الأرماح لامـــعة****بين الخميسين لا في السبعة الشهب

ومن أروع ما قاله في القلم قصيدته المشهورة التي وصف فيها القلم قائلا:

 لك القلـــــم الأعلى الــــذي بســــنانه****تصاب من المرء الكلى والمـــــــــفاصل

 له الجلوات الاّئي لـــولا نجــــــــــــيّها****لما احـــتفلت للمـــــــــلك تلك المحافل

 لعاب الأفاعــــي القاتـــــــلات لـــعابه****وأري الجنــــــــــى اشتارته أيد عواسـل

 له ديمة طـــلّ ولكـــــنّ وقــــــــــعها****بآثاره في الــــشّرق والــــغرب وابــــــــل

 فصيح إذا استنطـــــقته وهـــو راكب****وأعــــجم إن خاطبــــته وهـــــو راجــــــل

 إذا امتطى الخمس اللّطاف وأفـرغت****عليه شــــعاب الفـــــكر وهـــــــي حوافل

 أطاعته أطــــــــــراف القنا وتقوّضت****لنــــجواه تقــــويض الخيام الجــــــــــحافل

 إذا استعذر  الذهــــن الذّكيّ وأقبلت****أعاليــــــــــــه في القرطاس وهي أسافـل

 وقد رفدته الخـــــــــنصران وسدّدت****ثلاث نواحـــــيه الثّــــــلاث الأنامـــــــــــــل

 رأيت جليلا شأنه وهــــــــــو مرهف****ضنى وســــمينا خطبـــه وهـــــــــــو ناحل

وما أروع قوله في اللّطائف وهو الشاعر الحكيم الذي ملأ سماء الشعر غزلا ومدحا وافتخارا حيث يقول: 

 إذا كنت من كلّ الطّبــــــــــاع مركّبا****فأنــــت إلــــى كلّ القلــــــوب حبــــــــــيب

والملاحظ أنّ حبيب بن أوس تطرّق في شعره إلى المدح والهجاء والغزل والإخوانيات،وشغل المدخ القسط الأكبر من ديوانه المسمّى"ديوان أبي تمّام"ومن مؤلّفاته أيضا"الفحول" وهو مختارات من أجود قصائد شعراء الجاهلية والإسلام،بالإضافة إلى مؤلّفه القيّم"الحماسة"الذي ضمّنه درر الشعر العربي حتّى عصره.
 أمّا أسلوبه في المدح فقد تنوّع،واختلف من ممدوح إلى آخر،إلاّ أنّه على العموم  أسلوب قديم يستهلّ فيه قصائده بالوقوف على الأطلال وبالديّار،والبكاء والاستذكار والتّحدّث إلى الأحباب،ثمّ ينتقل إلى المدح بجزالة وطول البحر وفخامة الألفاظ.أمّا رثاؤه فتجده يبكي بكاء حيّا يتخلّله أنين متصاعد من جرح بليغ نلمسه في بعض أبيات من قصيدته التي رثى بها محمد بن حميد الطّوسي:

  تردّى بثياب الموت حــمرا فما دجا****لــــها اللّيل إلاّ وهي من سندس خـــــــــــضر

 كأنّ بني نهبـــــــــــــان يوم وفاتـه****نجــــــوم سماء خــــــــرّ من بينــــــهما البدر

 قال العلماء: خرج من قبيلة طيّئ ثلاثة كلّ واحد نجيد في بابه،حاتم الطّائي في جوده ،وداود بن نصير الطّائي في زهده،وأبو تمّام حبيب بن أوس الطّائي في شعره.وتوفي شاعرنا في الموصل سنة 843م ودفن بها بعد أن ترك ثروة أدبية فاقت ما يمكن أن يتوقّعه النّاس،فأغنى بذلك الخزانة الأدبية العربية بمجوهراته الخالدة.

                                                                  محمد الدبلي  الفاطمي


                  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع أبي الحــــسن ابــــــــن زنباع الطــــنجاوي في الطبــــيعة

سبينوزا وهوبز

هواتف مهمّة