جلــــســـة المســــاء مع أشــــعا ر الخنــــــــســـاء

                                        جلسة المساء مع أشعار الخنساء

هي تماضر  بنت عمرو بن الشريد من سراة قبائل سليم من أهل نجد من شواعر العرب،وقد أجمع علماء وأئمّة الشعر أنّه لم تكن قطّ امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.وكان نابغة بني دبيان يجلس لشعراء العرب بسوق عكاظ  على كرسيّ ينشدونه فيفضل من يرى تفضيله ،فأنشدته الخنساء في بعض المواسم فأعجب بشعرها وقال لها:لولا هذا الأعمى أنشدني قبلك -يعني الأعشى-فضّلتك على شعراء هذا الموسم..ومعلوم أنّ أكثر شعر هذه الشاعرة جاء في رثاء أخويها معاوية وصخر.وكان صخر قتل يوم الكلاب من أيّام العرب.فلمّا مات دفن في أرض بني سليم بقرب عسيب.وحضرت الخنساء معركة القادسية مع بنيها وهم أربعة رجال فقالت لهم من أوّل اللّيل:يابنيّ إنّكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ،والله الذي لا إله إلاّهو إنّكم لبنو رجل واحد وامرأة واحدة ما هجنت حسبكم ،ولا عيّرت نسبكم.واعلموا أنّ الدّار الآخرة خير منالدّار الفانية.إصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا الله لعلّكم تفلحون،فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها،وجلّلت نارا على أوراقها ،فتيمّموا وطيسا وجاهدوا تظفروا بالغنم والكرامة،في دار الخلد المقامة.فلمّا أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقّموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصيّة الخنساء العجوز لهم حتّى قتلوا عن آخرهم.فلمّا بلغها الخبر قالت:الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم،وأرجو من ربّي أن يجمعني بهم مستقرّ الرحمة.وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب يعطيها أرزاق بنيها الأربعة لكلّ واحد منهم مائة درهم حتّى قبض روحها سنة646م-24هـ.ومن قولها في أخيها صخر:

 ألا يا صــخـــــــر إن أبكـــيت عـــيني****فقد أضحكتنــــــي زمنا طويلا

 بكيـــــــتك في نــساء معــــــــولات****وكنت أحـــقّ من أبدى العويلا

 دفــعت بك الخـطوب وأنــــــــت حيّ****فمن ذا يدفع الخـــطب الجليلا

 إذا فبح البـــــــكاء علـــــــــى قــتيل****رأيـــــت بكاءك الحسن الجميلا

 ولها فيه أيضا :

 إذهب فلا يبــــــــعدنّك الله من رجل****دارك ضيـــــم وطـــــلاّب بأوتار

 فــــــــسوف أبكيك ما ناحت مطوّقة****وما أضاءت نجوم الليل للسّاري

وقالت أيضا:

 وما بلـــغت كــــــــفّ امرئ مـتناولا****من الــمجد إلاّ والذي نلت أطـول

 وما بلغ المهدون للنّـــــــــاس مدحة****وإن أطنــبوا إلاّ الذي فيك أفضل

ومن أروع ما غرّدت به الخنساء من قلبها المسجور  رثاؤها لأخيها صخر  وهي تقول:

 قــذى بعينــيك أم بالعين عـــــوّار****أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدّار

 كأنّ عيني لذكـــراه إذا خـــــطرت****فيض يسيل على الخدّين مـدرار

 تبكي خناس على صخر وحقّ لها****إذ رابها الدّهـــــــر إنّ الدّهر ضرّار

 لا بدّ من ميــــتة في صرفها غير****والدّهــــر في صرفه حول وأطوار

 يا صخــــــــــر وارد ماء قد توارده****أهل المــــــوارد ما في ورده عار

 وإنّ صخرا لحامــــينا وسيّـــــدنا****وإنّ صــــــخرا إذا نشتوا لنــــــحّار


 وإنّ صـــــــــــخرا لتأتمّ الهداة به****كأنّه علــــــم فــــــــي رأسه نار



 لم تره جارة يمشـــي بساحتها****لريبة حيـــــن يخلـــــي بيته الجار



 مثل الرّدينيّ لم تنـــفذ شبيبته****كأنّه تحت طــــــــــيّ البرد أسوار



 طلق اليدين بفعل الخير معتمد****ضــخم الدّسيعة بالخـــــيرات أمّار



وقال وهي تتذكّر أخاها صخرا في كلّ ثانيو وآن:



 يذكّرني طلوع الشّمس صخرا****وأذكره لكـــــلّ غــــــروب شمس



ولولا كثرة الباكين حــــــــولي****علــــــــى إخوانهم لقتلت نفسي



وما يبكون مـــــثل أخي ولكن****أعزّي النّفس عــــــــــنه بالتّأسّي



عاشت الجنساء حزينة على أخويها وأبنائها الأربعة الذين فقدتهم في معركة القادسية.ولحسن طالعها أدركت الإسلام وأسلمت. وعمّرت الخنساء طويلا ووافتها المنية سنة 646م.

                                                                      محمد الدبلي الفاطمي

            

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع أبي الحــــسن ابــــــــن زنباع الطــــنجاوي في الطبــــيعة

سبينوزا وهوبز

هواتف مهمّة